فصل: تفسير الآية رقم (120)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏}‏، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ النَّصَارَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ النَّصَارَى تَقُولُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ- وَزَادَ فِيهِ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏، النَّصَارَى‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ‏.‏ وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَا جَمِيعًا‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ، فَقُلْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُكَلِّمْنَا حَتَّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ‏!‏ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ‏}‏، الْآيَةَ كُلَّهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ‏}‏، وَهُمْ كُفَّارُ الْعَرَبِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمْ كُفَّارُ الْعَرَبِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏}‏، أَمَّا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏:‏ فَهُمُ الْعَرَبُ‏.‏

وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ قَوْلُ الْقَائِلِ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏، النَّصَارَى دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقٍ خَبَّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَعَنْ افْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ وَادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا، فَقَالَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ-، مُخْبِرًا عَنْهُمْ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ أَنَّهُمْ مَعَ افْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبُ بِقَوْلِهِمْ‏:‏ ‏(‏اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا‏)‏، تَمَنُّوا عَلَى اللَّهِ الْأَبَاطِيلَ، فَقَالُوا جَهْلًا مِنْهُمْ بِاللَّهِ وبمنـَزَلَتِهِمْ عِنْدَهُ وَهُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ‏:‏ ‏(‏لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏)‏، كَمَا يُكَلِّمُ رُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ، أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَمَا أَتَتْهُمْ‏؟‏ وَلَا يَنْبَغِي لِلَّهِ أَنْ يُكَلِّمَ إِلَّا أَوْلِيَاءَهُ، وَلَا يُؤْتِيَ آيَةً مُعْجِزَةً عَلَى دَعْوَى مُدَّعٍ إِلَّا لِمَنْ كَانَ مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ وَدَاعِيًا إِلَى الْفِرْيَةِ عَلَيْهِ وَادِّعَاءِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَهُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ-، أَوْ يُؤْتِيَهُ آيَةً مُعْجِزَةً تَكُونُ مُؤَيِّدَةً كَذِبَهُ وَفِرْيَتَهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا الزَّاعِم‏:‏ أَنَّ اللَّهَ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏)‏ الْعَرَبَ، فَإِنَّهُ قَائِلٌ قَوْلًا لَا خَبَرَ بِصِحَّتِهِ، وَلَا بِرِهَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي ظَاهِرِ الْكِتَابِ‏.‏ وَالْقَوْلُ إِذَا صَارَ إِلَى ذَلِكَ كَانَ وَاضِحًا خَطَؤُهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَادِّعَاءُ مِثْلِ ذَلِكَ لَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَى أَحَدٍ‏.‏

وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏)‏، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى‏:‏ هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ ‏!‏ كَمَا قَالَ الْأَشْهَبُ بْنُ رُمَيْلَةَ‏:‏

تَعُـدُّونَ عَقْـرَ النِّيـبِ أَفْضَـلَ مَجْدِكُمْ *** بَنِـي ضَوْطَـرَى، لَـوْلَا الْكَمِّيَّ الْمُقَنِّعَا

بِمَعْنَى‏:‏ فَهَلَّا تُعِدُّونَ الْكَمِّيَّ الْمُقَنَّعَ‏!‏ كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏)‏ قَالَ‏:‏ فَهَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏!‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَأَمَّا ‏"‏الْآيَةُ‏"‏ فَقَدْ ثَبَتَ فِيمَا قَبْلُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهَا الْعَلَامَةُ‏.‏ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ هَلَّا تَأْتِينَا آيَةٌ عَلَى مَا نُرِيدُ وَنَسْأَلُ، كَمَا أَتَتِ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ‏!‏ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ‏}‏، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ‏}‏، هُمُ الْيَهُودُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏، الْيَهُودُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ هُمُ الْعَرَبَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏، يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَغَيْرَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ، قَالُوا يَعْنِي- الْعَرَبَ- كَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ قَبْلِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ‏}‏، يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ‏}‏، هُمُ النَّصَارَى، وَالَّذِينَ قَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ هُمُ الْيَهُودُ سَأَلَتْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ رَبَّهُمْ جَهْرَةً، وَأَنَّ يُسْمِعَهُمْ كَلَامَ رَبِّهِمْ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا- وَسَأَلُوا مِنَ الْآيَاتِ مَا لَيْسَ لَهُمْ مَسْأَلَتُهُ تَحَكُّمًا مِنْهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَكَذَلِكَ تَمَنَّتِ النَّصَارَى عَلَى رَبِّهَا تَحَكُّمًا مِنْهَا عَلَيْهِ أَنْ يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ وَيُرِيَهُمْ مَا أَرَادُوا مِنَ الْآيَاتِ‏.‏ فَأَخْبَرَ اللَّهُ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، مِثْلَ الَّذِي قَالَتْهُ الْيَهُودُ وَتَمَنَّتْ عَلَى رَبِّهَا مِثْلَ أَمَانِيِّهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُمُ الَّذِي قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا يُشَابِهُ قَوْلَ الْيَهُودِ مِنْ أَجْلِ تَشَابُهِ قُلُوبِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ؛ فَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُهُمْ فِي كَذِبِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ، فَقُلُوبُهُمْ مُتَشَابِهَةٌ فِي الْكُفْرِ بِرَبِّهِمْ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ، وَتُحَكِّمِهِمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ‏.‏ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏ قُلُوبُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ تَشَابَهَتْ قُلُوبُ كُفَّارِ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏، يَعْنِي الْعَرَبَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَغَيْرَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏}‏، يَعْنِي الْعَرَبَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَغَيْرَهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَشَابَهَتْ‏}‏ التَّثْقِيلُ، لِأَنَّ التَّاءَ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا زَائِدَة أَدْخَلَتْ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَفَاعُل‏)‏، وَإِنْ ثَقُلَتْ صَارَتْ تَاءَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ إِدْخَالُ تَاءَيْنِ زَائِدَتَيْنِ عَلَامَةً لِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِقْبَالِ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى دُخُولِهِمَا؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا تُدْخِلُ عَلَمًا لِلِاسْتِقْبَالِ، وَالْأُخْرَى مِنْهَا الَّتِي فِي ‏"‏تَفَاعَلَ‏"‏، ثُمَّ تُدْغَمُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَتُثَقَّلُ، فَيُقَالُ‏:‏ تَشَّابَهَ بَعْدَ الْيَوْمِ قُلُوبُنَا‏.‏

فَمَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ وَقَالَتِ النَّصَارَى، الْجُهَّالُ بِاللَّهِ وَبِعَظَمَتِهِ‏:‏ هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ رَبُّنَا، كَمَا كَلَّمَ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، أَوْ تَجِيئُنَا عَلَّامَةٌ مِنَ اللَّهِ نَعْرِفُ بِهَا صِدْقَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ عَلَى مَا نَسْأَلُ وَنُرِيدُ‏؟‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَكَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ مَنِ النَّصَارَى وَتَمَنَّوْا عَلَى رَبِّهِمْ، قَالَ مَنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ جَهْرَةً، وَيُؤْتِيَهُمْ آيَةً، وَاحْتَكَمُوا عَلَيْهِ وَعَلَى رُسُلِهِ، وَتَمَنَّوْا الْأَمَانِيَّ، فَاشْتَبَهَتْ قُلُوبُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي تَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِعَظَمَتِهِ وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، كَمَا اشْتَبَهَتْ أَقْوَالُهُمُ الَّتِي قَالُوهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏}‏، قَدْ بَيَّنَّا الْعَلَامَاتِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا غَضِبَ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، وَأَعَدَّ لَهُمُ الْعَذَابَ الْمُهِينَ فِي مَعَادِهِمْ، وَالَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أَخْزَى اللَّهُ النَّصَارَى فِي الدُّنْيَا، وَأَعَدَّ لَهُمُ الْخِزْيَ وَالْعَذَابَ الْأَلِيمَ فِي الْآخِرَةِ، وَالَّتِي مِنْ أَجْلِهَا جَعَلَ سُكَّانَ الْجِنَانِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ وَهُمْ مُحْسِنُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا، فَأُعْلِمُوا الْأَسْبَابَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا اسْتَحَقَّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَنِ اللَّهِ مَا فَعَلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَخَصَّ اللَّهُ بِذَلِكَ الْقَوْمَ الَّذِينَ يُوقِنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ التَّثَبُّتِ فِي الْأُمُورِ، وَالطَّالِبُونَ مَعْرِفَةَ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى يَقِينٍ وَصِحَّةٍ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَنَّهُ بَيَّنَ لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَتَهُ مَا بَيَّنَ مَنْ ذَلِكَ لِيَزُولَ شَكُّهُ، وَيَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ-، وَخَبَرُ اللَّهُ الْخَبَرُ الَّذِي لَا يُعْذَرُ سَامِعُهُ بِالشَّكِّ فِيهِ‏.‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا يَحْتَمِلُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْعَارِضَةِ فِيهِ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَالْكَذِبِ، وَذَلِكَ مَنْفِيٌّ عَنْ خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا‏}‏، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي لَا أَقْبَلُ مَنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ مُبَشِّرًا مَنِ اتَّبَعَكَ فَأَطَاعَكَ، وَقَبِلَ مِنْكَ مَا دَعَوْتَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ- بِالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا، وَالظَّفَرِ بِالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِيهَا، وَمُنْذِرًا مِنْ عَصَاكَ فَخَالَفَكَ، وَرَدَّ عَلَيْكَ مَا دَعَوْتَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ- بِالْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا، وَالذُّلِّ فِيهَا، وَالْعَذَابِ الْمُهِينِ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَرَأَتْ عَامَّةٌ الْقَرَأَةِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏، بِضَمِّ ‏"‏التَّاءِ‏"‏ مِنْ ‏"‏تُسْأَلُ‏"‏، وَرَفْعِ ‏"‏اللَّامِ‏"‏ مِنْهَا عَلَى الْخَبَرِ، بِمَعْنَى‏:‏ يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ، وَلَسْتَ مَسْئُولًا عَمَّنْ كَفَرَ بِمَا أَتَيْتَهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَحِيمِ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَسْأَلْ‏)‏ جَزْمًا‏.‏ بِمَعْنَى النَّهْيِ، مَفْتُوحَ ‏"‏التَّاءِ‏"‏ مِنْ ‏"‏تَسْأَلْ‏"‏، وَجَزْمِ ‏"‏اللَّامِ‏"‏ مِنْهَا‏.‏ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ‏:‏ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا لِتُبَلِّغَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، لَا لِتَسْأَلَ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حَالِهِمْ‏.‏ وَتَأَوَّلَ الَّذِينَ قَرَءُوا هَذِهِ الْقِرَاءَة مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ‏؟‏ فَنَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ، «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ‏؟‏ لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ‏؟‏ لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ‏؟‏‏"‏ ثَلَاثًا، فَنَـزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏، فَمَا ذَكَرَهُمَا حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ»‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ‏:‏ لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ أَبَوَايَ‏؟‏ فنـَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ، عَلَى الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- قَصَّ قَصَصَ أَقْوَامٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَذَكَرَ ضَلَالَتَهُمْ، وَكُفْرَهُمْ بِاللَّهِ، وَجَرَاءَتَهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ‏)‏ يَا مُحَمَّدُ ‏(‏بِالْحَقِّ بَشِيرًا‏)‏، مَنْ آمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ مِمَّنْ قَصَصْتُ عَلَيْكَ أَنْبَاءَهُ وَمَنْ لَمْ أَقْصُصْ عَلَيْكَ أَنْبَاءَهُ، ‏(‏وَنَذِيرًا‏)‏ مَنْ كَفَرَ بِكَ وَخَالَفَكَ، فَبَلِّغْ رِسَالَتِي، فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ أَعْمَالِ مَنْ كَفَرَ بِكَ- بَعْدَ إِبْلَاغِكَ إِيَّاهُ رِسَالَتِي تَبِعَةٌ، وَلَا أَنْتَ مَسْئُولٌ عَمَّا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏ وَلَمْ يَجْرِ- لِمَسْأَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ذِكْرٌ، فَيَكُونَ لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏، وَجْهٌ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ‏.‏ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ مُوَجَّهٌ مَعْنَاهُ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ الْمَفْهُومُ، حَتَّى تَأْتِيَ دِلَالَةٌ بَيِّنَةٌ تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُسَلَّمًا لِلْحُجَّةِ الثَّابِتَةِ بِذَلِكَ‏!‏ وَلَا خَبَرَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُهِيَ عَنْ أَنْ يَسْأَلَ-فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ، وَلَا دِلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ‏.‏ وَالْوَاجِبُ أَنَّ يَكُونَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عَلَى مَا مَضَى ذِكْرُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَمَّنْ ذُكِرَ بَعْدَهَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، دُونَ النَّهْيِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُمْ‏.‏

فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ صَحِيحٌ، فَإِنَّ فِي اسْتِحَالَةِ الشَّكِّ مِنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْجَحِيمِ، وَأَنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا مِنْهُمْ، مَا يَدْفَعُ صِحَّةَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، إِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْهُ صَحِيحًا، مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَ اللَّهِ الْخَبَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا‏}‏، بِـ ‏"‏الْوَاو‏"‏- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏، وَتَرْكَهُ وَصْلَ ذَلِكَ بِأَوَّلِهِ بِـ ‏"‏الْفَاءِ‏"‏، وَأَنْ يَكُونَ‏:‏ ‏(‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏)‏- أَوْضَحُ الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْأَلُ‏)‏، أَوْلَى مِنَ النَّهْيِ، وَالرَّفْعُ بِهِ أَولَى مِنَ الْجَزْمِ‏.‏ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ‏:‏ ‏(‏وَمَا تُسْأَلُ‏)‏، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏(‏وَلَنْ تُسْأَلَ‏)‏، وَكِلْتَا هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ تَشْهَدُ بِالرَّفْعِ وَالْخَبَرِ فِيهِ، دُونَ النَّهْيِ‏.‏

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يُوَجِّهُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏ إِلَى الْحَالِ، كَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا غَيْرَ مَسْئُولٍ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏.‏ وَذَلِكَ إِذَا ضَمَّ ‏"‏التَّاء‏"‏، وَقَرَأَهُ عَلَى مَعْنَى الْخَبَرَ، وَكَانَ يُجِيزُ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَته‏:‏ ‏"‏وَلَا تَسْأَلُ‏"‏، بِفَتْح ‏"‏التَّاءِ‏"‏ وَضَمِّ ‏"‏اللَّامِ‏"‏ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِمَعْنَى‏:‏ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، غَيْرَ سَائِلٍ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْتُهُمَا عَنِ الْبَصَرِيِّ فِي ذَلِكَ، يَدْفَعُهُمَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ مِنَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ إِدْخَالَهُمَا مَا أَدْخَلَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ ‏"‏مَا‏"‏ وَ‏"‏لَنْ‏"‏ يَدُلَّ عَلَى انْقِطَاعِ الْكَلَامِ عَنْ أَوَّلِهِ وَابْتِدَاءِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْأَلُ‏)‏، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءً لَمْ يَكُنْ حَالًا‏.‏

وَأمَّا ‏(‏أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏)‏، فَـ ‏"‏الْجَحِيمُ‏"‏، هِيَ النَّارُ بِعَيْنِهَا إِذَا شَبَّتْ وَقُودُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ‏:‏

إِذَا شَـبَّتْ جَـهَنَّمُ ثُـمَّ دَارَتْ *** وَأَعْـرَضَ عَـنْ قَوَابِسِـهَا الْجَحِـيمُ

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ‏}‏، وَلَيْسَتِ الْيَهُودُ، يَا مُحَمَّدُ، وَلَا النَّصَارَى بِرَاضِيَةٍ عَنْكَ أَبَدًا، فَدَعْ طَلَبَ مَا يُرْضِيهِمْ وَيُوَافِقُهُمْ، وَأَقْبِلْ عَلَى طَلَبِ رِضَا اللَّهِ فِي دُعَائِهِمْ إِلَى مَا بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنَّ الَّذِي تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لَهُوَ السَّبِيلُ إِلَى الِاجْتِمَاعِ فِيهِ مَعَكَ عَلَى الْأُلْفَةِ وَالدِّينِ الْقَيِّمِ، وَلَا سَبِيلَ لَكَ إِلَى إِرْضَائِهِمْ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ ضِدُّ النَّصْرَانِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ ضِدَّ الْيَهُودِيَّةِ، وَلَا تَجْتَمِعُ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الرِّضَا بِك، إِلَّا أَنْ تَكُونَ يَهُودِيًّا نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ مِنْكَ أَبَدًا، لِأَنَّكَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَنْ يَجْتَمِعَ فِيكَ دِينَانِ مُتَضَادَّانِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ‏.‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِيكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ سَبِيلٌ، لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَى إِرْضَاءِ الْفَرِيقَيْنِ سَبِيلٌ‏.‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، فَالْزَمْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي لِجَمْعِ الْخَلْقِ إِلَى الْأُلْفَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْمِلَّةُ‏"‏ فَإِنَّهَا الدِّينُ، وَجَمْعهَا الْمِلَلُ‏.‏

ثُمَّ قَالَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ- لِهَؤُلَاءِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ ‏{‏لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى‏}‏- ‏{‏إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى‏}‏، يَعْنِي إِنْ بَيَانَ اللَّهِ هُوَ الْبَيَانُ الْمُقْنِعُ، وَالْقَضَاءُ الْفَاصِلُ بَيْنَنَا، فَهَلُمُّوا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَبَيَانِهِ- الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ لِعِبَادِهِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ الَّتِي تُقِرُّونَ جَمِيعًا بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَتَّضِحُ لَكُمْ فِيهَا الْمُحِقُّ مِنَّا مِنَ الْمُبْطِلِ، وَأَيُّنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَيُّنَا أَهْلُ النَّارِ، وَأَيُّنَا عَلَى الصَّوَابِ، وَأَيُّنَا عَلَى الْخَطَأِ‏.‏

وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهِ نَبِيّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى هُدَى اللَّهِ وَبَيَانِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِيمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْجَنَّةَ لَنْ يَدْخُلَهَا إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، وَبَيَانَ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ الْمُكَذِّبَ بِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ دُونَ الْمُصَدِّقِ بِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ‏}‏، يَا مُحَمَّدُ، هَوَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى- فِيمَا يُرْضِيهِمْ عَنْكَ- مِنْ تَهَوُّدٍ وَتَنْصُّرٍ، فَصِرْتَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِرْضَائِهِمْ، وَوَافَقْتَ فِيهِ مَحَبَّتَهُمْ- مِنْ بَعْدِ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ بِضَلَالَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَمِنْ بَعْدِ الَّذِي اقْتَصَصْتُ عَلَيْكَ مِنْ نَبَئِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ- مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ لَيْسَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ وَلِيٍّ يَلِي أَمْرَكَ، وَقَيِّمٍ يَقُومُ بِهِ وَلَا نَصَيْرٌ، يَنْصُرُكَ مِنَ اللَّهِ، فَيَدْفَعُ عَنْكَ مَا يَنْـزِلُ بِكَ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَيَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ أَحَلَّ بِكَ ذَلِكَ رَبُّكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏الْوَلِيِّ‏"‏ و‏"‏النَّصِيرِ‏"‏ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْـزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى دَعَتْهُ إِلَى أَدْيَانِهَا، وَقَالَ كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ‏:‏ إِنَّ الْهُدَى هُوَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ دُونَ مَا عَلَيْهِ، غَيْرُنَا مِنْ سَائِرِ الْمِلَلِ، فَوَعْظُهُ اللَّهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَعَلَّمَهُ الْحُجَّةَ الْفَاصِلَةَ بَيْنَهُمْ فِيمَا ادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالَّذِينَ عَنَاهُمُ اللَّهُ-جَلَّ ثَنَاؤُه-ُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏، هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آمَنُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَصَدَقُوا بِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ عُلَمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَقُوا رُسُلَهُ، فَأَقَرُّوا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ كَفَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَهُودَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَهَا مَضَتْ بِأَخْبَارِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَتَبْدِيلِ مَنْ بَدَّلَ مِنْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَتَأَوُّلِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَادِّعَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ الْأَبَاطِيلَ، وَلَمْ يَجْرِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبِلَهَا ذِكْرٌ، فَيَكُونَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏، مُوَجَّهًا إِلَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ، وَلَا لَهُمْ بَعْدَهَا ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَتْلُوهَا، فَيَكُونَ مُوَجَّهًا ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ عَنْ قَصَصِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ انْقِضَاءِ قَصَصِ غَيْرِهِمْ، وَلَا جَاءَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْهُمْ أَثَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ‏.‏

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَمَّنْ قَصَّ اللَّهُ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- ‏[‏قَصَصَهُمْ‏]‏ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا وَالْآيَةِ بَعْدَهَا، وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ‏:‏ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ الَّذِي قَدْ عَرَفْتَهُ يَا مُحَمَّدُ-وَهُوَ التَّوْرَاةُ- فَقَرَءُوهُ وَاتَّبَعُوا مَا فِيهِ، فَصَدَقُوكَ وَآمَنُوا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِي، أُولَئِكَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏.‏

وَإِنَّمَا أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي ‏"‏الكِتَابِ‏"‏ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَرَفُوا أَيَّ الْكُتُبِ عَنَى بِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُدَيٍّ جَمِيعًا، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِمِثْلِهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو العَنْقَزِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَلَا يُحَرِّفُونَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو مَالِكٍ‏:‏ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَلَا يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُؤَمِّلُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ، قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏:‏ أَنْ يُحِلَّ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَيَقْرَأَهُ كَمَا أَنْـزَلَهُ اللَّهُ، وَلَا يُحَرِّفَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا يَتَأَوَّلَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، أَنْ يُحِلَّ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَلَا يُحَرِّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ‏[‏أَبُو أَحْمَدَ‏]‏ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنْ الْعَوَّامِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطَاءٍ، بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ-وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ- وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُفْيَانَ- قَالُوا جَمِيعًا‏:‏ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، مِثْلَهُ‏.‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عَمَلًا بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الشَّمْسِ‏:‏ 2‏]‏، يَعْنِي الشَّمْسَ إِذَا تَبِعَهَا الْقَمَرُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْمَلُونَ بِمُحَكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَكِلُونَ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ إِلَى عَالِمِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَحَلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ، وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏:‏ أَنْ يُحِلَّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَأَنْ يَقْرَأَهُ كَمَا أَنْـزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُحَرِّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ اتِّبَاعُهُ‏:‏ يُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَيَقْرَءُونَهُ كَمَا أُنْـزِلَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، أَمَّا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الشَّمْسِ‏:‏ 2‏]‏، قَالَ‏:‏ إِذَا تَبِعَهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، يَقْرَءُونَهُ حَقَّ قِرَاءَتِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ مَا زِلْتُ أَتْلُو أَثَرَهُ، إِذَا اتَّبَعَ أَثَرَهُ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَهُ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ، يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ الَّذِينَ آمَنُوا بِكَ وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِي، يَتَّبِعُونَ كِتَابِي الَّذِي أَنْـزَلْتُهُ عَلَى رَسُولِي مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُقِرُّونَ بِمَا فِيهِ مِنْ نَعْتِكَ وَصِفَتِكَ، وَأَنَّكَ رَسُولِي، فَرْضٌ عَلَيْهِمْ طَاعَتِي فِي الْإِيمَانِ بِكَ وَالتَّصْدِيقِ بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، وَيَعْمَلُونَ بِمَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَيَجْتَنِبُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَلَا يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا يُبَدِّلُونَهُ وَلَا يُغَيِّرُونَهُ- كَمَا أَنْـزَلْتُهُ عَلَيْهِمْ- بِتَأْوِيلٍ وَلَا غَيْرِهِ‏.‏

أَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، فَمُبَالَغَةٌ فِي صِفَةِ اتِّبَاعِهِمُ الْكِتَابَ وَلُزُومِهِمُ الْعَمَلَ بِهِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏إِنْ فُلَانًا لِعَالِمٌ حَقُّ عَالِمٍ‏)‏، وَكَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ فُلَانًا لِفَاضِلٌ كُلُّ فَاضِلٍ‏)‏‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي إِضَافَةِ ‏"‏حَقٍّ‏"‏ إِلَى الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ غَيْرُ جَائِزَةٍ إِضَافَتُهُ إِلَى مَعْرِفَةٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى ‏"‏أَيْ‏"‏، وَبِمَعْنَى قَوْلِكَ‏:‏ ‏(‏أَفْضَلُ رَجُلٍ فُلَانٌ‏)‏، و‏"‏أَفْعَلُ‏"‏ لَا يُضَافُ إِلَى وَاحِدِ مَعْرِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَعَّضٌ، وَلَا يَكُونُ الْوَاحِدُ الْمُبَعَّضُ مَعْرِفَةً‏.‏ فَأَحَالُوا أَنْ يُقَالَ‏:‏ ‏(‏مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ حَقِّ الرَّجُلِ‏)‏، و‏"‏مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ جِدِّ الرَّجُلِ‏"‏، كَمَا أَحَالُوا ‏"‏مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ أَيِّ الرَّجُلِ‏"‏، وَأَجَازُوا ذَلِكَ فِي ‏"‏كُلِّ الرَّجُلِ‏"‏ و‏"‏عَيْنِ الرَّجُلِ‏"‏ و‏"‏نَفْسِ الرَّجُلِ‏"‏‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إِنَّمَا أَجَزْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ تَوْكِيدًا، فَلَمَّا صِرْنَ مُدَوَّحًا، تُرِكْنَ مُدَوَّحًا عَلَى أُصُولِهِنَّ فِي الْمَعْرِفَةِ‏.‏

وَزَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، إِنَّمَا جَازَتْ إِضَافَتُهُ إِلَى التِّلَاوَةِ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى مَعْرِفَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَعْتَدُّ بِـ ‏"‏الْهَاءِ‏"‏-إِذَا عَادَتْ إِلَى نَكِرَةٍ- بِالنَّكِرَةِ، فَيَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏مَرَرْتُ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ أُمُّهُ، وَنَسِيجٍ وَحْدَهُ، وَسَيِّدِ قَوْمِهِ‏"‏، قَالُوا‏:‏ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، إِنَّمَا جَازَتْ إِضَافَةُ ‏"‏حَقٍّ‏"‏ إِلَى ‏"‏التِّلَاوَةِ‏"‏ وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى ‏"‏الْهَاءِ‏"‏، لِاعْتِدَادِ الْعَرَبِ بِ ‏"‏الهَاءِ‏"‏ الَّتِي فِي نَظَائِرِهَا فِي عِدَادِ النَّكِرَاتِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ‏"‏حَقُّ التِّلَاوَةِ‏"‏، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا‏:‏ ‏(‏مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ حَقِّ الرَّجُلِ‏)‏‏.‏

فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَةٍ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ جَائِزَةٌ إِضَافَةُ ‏"‏حَقٍّ‏"‏ إِلَى النَّكِرَاتِ مَعَ النَّكِرَاتِ، وَمَعَ الْمَعَارِفِ إِلَى الْمَعَارِفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏(‏مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ غُلَامِ الرَّجُلِ‏)‏، و‏"‏بِرَجُلٍ غُلَامِ رَجُلٍ‏"‏‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ‏:‏ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ

وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏، أَيَّ تِلَاوَةٍ، بِمَعْنَى مَدْحِ التِّلَاوَةِ الَّتِي تَلَوْهَا وَتَفْضِيلِهَا‏.‏‏"‏وَأَيُّ‏"‏ غَيْرِ جَائِزَةٍ إِضَافَتُهَا إِلَى وَاحِدِ مَعْرِفَةٍ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ‏.‏ وَكَذَلِكَ ‏"‏حَقٌّ‏"‏ غَيْرُ جَائِزَةٍ إِضَافَتُهَا إِلَى وَاحِدِ مَعْرِفَةٍ‏.‏

وَإِنَّمَا أُضِيفَ فِي ‏{‏حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏}‏ إِلَى مَا فِيهِ ‏"‏الْهَاءُ‏"‏ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ‏}‏، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُؤْمِنُونَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ يُصَدِّقُونَ بِهِ‏.‏ وَ ‏"‏الهَاءُ‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏بِهِ‏"‏ عَائِدَةٌ عَلَى ‏"‏الْهَاءِ‏"‏ الَّتِي فِي‏"‏تِلَاوَتِهِ‏"‏، وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ ذِكْرِ الْكِتَابِ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ‏}‏‏.‏

فَأَخْبَرَ اللَّهُ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِالتَّوْرَاةِ، هُوَ الْمُتْبِعُ مَا فِيهَا مِنْ حَلَالِهَا وَحَرَامِهَا، وَالْعَامِلُ بِمَا فِيهَا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَهَا فِيهَا عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ أَهْلَهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ، دُونَ مَنْ كَانَ مُحَرِّفًا لَهَا مُبَدِّلًا تَأْوِيلَهَا، مُغَيِّرًا سُنَنَهَا تَارِكًا مَا فَرَضَ اللَّهُ فِيهَا عَلَيْهِ‏.‏

وَإِنَّمَا وَصَفَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- مَنْ وَصَفَ بِمَا وُصِفَ بِهِ مِنْ مُتَّبِعِي التَّوْرَاةَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي اتِّبَاعِهَا اتِّبَاعَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقَهُ؛ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ تَأْمُرُ أَهْلَهَا بِذَلِكَ، وَتُخْبِرُهُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَفَرْضِ طَاعَتِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ فِي التَّكْذِيبِ بِمُحَمَّدٍ التَّكْذِيبَ لَهَا‏.‏ فَأَخْبَرَ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- أَنَّ مُتَّبِعِي التَّوْرَاةَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمُ الْعَامِلُونَ بِمَا فِيهَا، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبِالتَّوْرَاةِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْكَافِرُ بِهَا الْخَاسِرُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ يَكْفُرْ بِهِ‏}‏، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْكِتَابِ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ يَتْلُوهُ- مَنْ آتَاهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- حَقَّ تِلَاوَتِهِ‏.‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏يَكْفُرْ‏}‏، يَجْحَدُ مَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَصْدِيقِهِ، وَيُبَدِّلُهُ فَيُحَرِّفُ تَأْوِيلَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا عِلْمَهُمْ وَعَمَلَهُمْ، فَبَخَسُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا سَخَطَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ، بِمَا‏:‏ حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَنْ كَفَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَهُودَ، ‏{‏فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْوَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ عِظَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهَرَانِي مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَذْكِيرٌ مِنْهُ لَهُمْ مَا سَلَفَ مِنْ أَيَادِيهِ إِلَيْهِمْ فِي صُنْعِهِ بِأَوَائِلِهِمْ، اسْتِعْطَافًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى دِينِهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا أَيَادِيَّ لَدَيْكُمْ، وَصَنَائِعِي عِنْدَكُمْ، وَاسْتِنْقَاذِي إِيَّاكُمْ مِنْ أَيْدِي عَدُوِّكُمْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَإِنْـزَالِي عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى فِي تِيهِكُمْ، وَتَمْكِينِي لَكُمْ فِي الْبِلَادِ، بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ مُذَلَّلَيْنِ مَقْهُورِينَ، وَاخْتِصَاصِي الرُّسُلَ مِنْكُمْ، وَتَفْضِيلِي إِيَّاكُمْ عَلَى عَالَمِ مَنْ كُنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، أَيَّامَ أَنْتُمْ فِي طَاعَتِي- بِاتِّبَاعِ رَسُولِي إِلَيْكُمْ، وَتَصْدِيقِهِ وَتَصْدِيقِ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي، وَدَعُوْا التَّمَادِيَ فِي الضَّلَالِ وَالْغَيِّ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى النِّعَمَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْمَعَانِيَ الَّتِي ذَكَّرَهُمْ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- مِنْ آلَائِهِ عِنْدَهُمْ، وَالْعَالَمِ الَّذِي فُضِّلُوا عَلَيْهِ- فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِالرِّوَايَاتِ وَالشَّوَاهِدِ، فَكَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِإِعَادَتِهِ، إِذْ كَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُنَالِكَ وَاحِدًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَرْهِيبٌ مِنَ اللَّهِ-جَلَّ ثَنَاؤُهُ- لِلَّذِينِ سَلَفَتْ عِظَتُهُ إِيَّاهُمْ بِمَا وَعَظَهُمْ بِهِ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ‏:‏ وَاتَّقَوْا- يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُبَدِّلِيْنَ كِتَابِي وَتَنْـزِيلِي، الْمُحَرِّفِينَ تَأْوِيلَهُ عَنْ وَجْهِهِ، الْمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَذَابَ يَوْمٍ لَا تَقْضِي فِيهِ نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، وَلَا تُغَنِّي عَنْهَا غِنَاءً، أَنْ تَهْلِكُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مَنْ كُفْرِكُمْ بِي، وَتَكْذِيبِكُمْ رَسُولِي، فَتَمُوتُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَوْمٌ لَا يُقْبَلُ مِنْ نَفْسٍ فِيمَا لَزِمَهَا فِدْيَةٌ، وَلَا يَشْفَعُ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهَا مَنْ حَقٍّ لَهَا شَافِعٌ، وَلَا هِيَ يَنْصُرُهَا نَاصِرٌ مِنَ اللَّهِ إِذَا انْتَقَمَ مِنْهَا بِمَعْصِيَتِهَا إِيَّاهُ‏.‏

وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ كُلِّ مَعَانِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي نَظِيرَتِهَا قَبْلُ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى‏}‏، وَإِذِ اخْتَبَرَ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏{‏ابْتَلَيْتُ فُلَانَا أَبْتَلِيهِ ابْتِلَاءً‏}‏، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 6‏]‏، يَعْنِي بِهِ‏:‏ اخْتَبِرُوهُمْ‏.‏

وَكَانَ اخْتِبَارُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِبْرَاهِيمَ، اخْتِبَارًا بِفَرَائِضَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ، وَأَمْرٍ أَمَرَهُ بِهِ‏.‏ وَذَلِكَ هُوَ ‏"‏ الكَلِمَاتُ ‏"‏ الَّتِي أَوْحَاهُنَّ إِلَيْهِ، وَكَلَّفَهُ الْعَمَلَ بِهِنَّ، امْتِحَانًا مِنْهُ لَهُ وَاخْتِبَارًا‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ ‏"‏ الكَلِمَاتِ ‏"‏ الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ نَبِيَّهُ وَخَلِيلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَهْمًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَمْ يُبْتَلَ أَحَدٌ بِهَذَا الدِّينِ فَأَقَامَهُ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِكَلِمَاتٍ، فَأَتَمَّهُنَّ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ الْبَرَاءَةَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّجْمِ‏:‏ 37‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ عَشْرٌ مِنْهَا فِي ‏"‏ الأَحْزَابِ ‏"‏، وَعَشْرٌ مِنْهَا فِي ‏"‏ بَرَاءَةٌ ‏"‏، وَعَشْرٌ مِنْهَا فِي ‏"‏ المُؤْمِنُونَ ‏"‏ وَ ‏"‏ سَأَلَ سَائِلٌ ‏"‏، وَقَالَ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ ثَلَاثُونَ سَهْمًا‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ الطَّحَّانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ مَا ابْتُلِيَ أَحَدٌ بِهَذَا الدِّينِ فَقَامَ بِهِ كُلِّهِ غَيْرُ إِبْرَاهِيمَ، ابْتُلِيَ بِالْإِسْلَامِ فَأَتَمَّهُ، فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ الْبَرَاءَةَ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى‏}‏، فَذَكَرَ عَشْرًا فِي ‏"‏ بَرَاءَةٌ ‏"‏ ‏[‏112‏]‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ‏}‏ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، وَعَشْرًا فِي ‏"‏ الأَحْزَابِ ‏"‏ ‏[‏35‏]‏، ‏{‏إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ‏}‏، وَعَشْرًا فِي ‏"‏ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ ‏"‏ ‏[‏9‏]‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ‏}‏، وَعَشْرًا فِي ‏"‏ سَأَلَ سَائِلٌ ‏"‏ ‏[‏34‏]‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ َشَبَّوَيْهِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ الْإِسْلَامُ ثَلَاثُونَ سَهْمًا، وَمَا ابْتُلِيَ بِهَذَا الدِّينِ أَحَدٌ فَأَقَامَهُ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى‏}‏، فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ خِصَالٌ عَشْرٌ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏ قَالَ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالطَّهَارَةِ‏:‏ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ‏.‏ فِي الرَّأْسِ‏:‏ قَصُّ الشَّارِبِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَفَرْقُ الرَّأْسِ‏.‏ وَفِي الْجَسَدِ‏:‏ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْخِتَانُ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَغَسْلُ أَثَرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ- وَلَمْ يَذْكُرْ أَثَرَ الْبَوْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ‏"‏ قَالَ، ابْتَلَاهُ بِالْخِتَانِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَغَسْلِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَالسِّوَاكِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ‏.‏ قَالَ أَبُو هِلَالٍ‏:‏ وَنَسِيتُ خَصْلَةً‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي الْخُلْدِ قَالَ‏:‏ ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيمُ بِعَشْرَةِ أَشْيَاءَ، هُنَّ فِي الْإِنْسَانِ‏:‏ سُنَّةٌ‏:‏ الِاسْتِنْشَاقُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَالسِّوَاكُ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَالْخِتَانُ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَغَسْلُ الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ بَلِ ‏"‏ الكَلِمَاتُ ‏"‏ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ عَشْرُ خِلَالٍ؛ بَعْضُهُنَّ فِي تَطْهِيرِ الْجَسَدِ، وَبَعْضُهُنَّ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ‏}‏ قَالَ، سِتَّةٌ فِي الْإِنْسَانِ، وَأَرْبَعَةٌ فِي الْمَشَاعِرِ‏.‏ فَالَّتِي فِي الْإِنْسَانِ‏:‏ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْخِتَانُ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَالْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏ وَأَرْبَعَةٌ فِي الْمَشَاعِرِ‏:‏ الطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَالْإِفَاضَةُ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، فَمِنْهُنَّ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، وَآيَاتُ النُّسُكِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ‏"‏ قَالَ، مِنْهُنَّ ‏"‏ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ‏"‏ وَمِنْهُنَّ آيَاتُ النُّسُكِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 127‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ‏"‏ قَالَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ إِنِّي مُبْتَلِيكَ بِأَمْرٍ فَمَا هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ تَجْعَلُنِي لِلنَّاسِ إِمَامًا‏!‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏.‏ قَالَ‏:‏ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏.‏ قَالَ‏:‏ تَجْعَلُ الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ ‏[‏قَالَ‏]‏‏:‏ وََأَمْنًا‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ ‏[‏قَالَ‏]‏‏:‏ وَتَجْعَلُنَا مُسْلِمَيْنَ لَكَ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ ‏[‏قَالَ‏]‏‏:‏ وَتُرِينَا مَنَاسِكَنَا وَتَتُوبُ عَلَيْنَا‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَتَجْعَلُ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَتَرْزُقُ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ، فَعَرَضْتُهُ عَلَى مُجَاهِدٍ فَلَمْ يُنْكِرْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ فَاجْتَمَعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ جَمِيعًا‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ‏"‏ قَالَ، ابْتُلِيَ بِالْآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ‏"‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، فَالْكَلِمَاتُ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏)‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى‏)‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ‏)‏ الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، فَمِنْهُنَّ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، وَمِنْهُنَّ‏:‏ ‏(‏وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ‏)‏، وَمِنْهُنَّ الْآيَاتُ فِي شَأْنِ النُّسُكِ، وَالْمَقَامِ الَّذِي جُعِلَ لِإِبْرَاهِيمَ، وَالرِّزْقِ الَّذِي رُزِقَ سَاكِنُو الْبَيْتِ، وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ مَنَاسِكُ الْحَجِّ خَاصَّةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ‏"‏ قَالَ، مَنَاسِكُ الْحَجِّ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ‏"‏ قَالَ، الْمَنَاسِكُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ابْتَلَاهُ بِالْمَنَاسِكِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ بَلَغَنَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، الْمَنَاسِكُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏ قَالَ، مَنَاسِكُ الْحَجِّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏ قَالَ، مِنْهُنَّ مَنَاسِكُ الْحَجِّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ أُمُورٌ، مِنْهُنَّ الْخِتَانُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ‏"‏ قَالَ، مِنْهُنَّ الْخِتَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ- وَسَأَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ‏"‏- قَالَ، مِنْهُنَّ الْخِتَانُ، يَا أَبَا إِسْحَاقَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ الْخِلَالُ السِّتُّ‏:‏ الْكَوْكَبُ، وَالْقَمَرُ، وَالشَّمْسُ، وَالنَّارُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْخِتَانُ، الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِلْحَسَنِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ ابْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ، فَرَضِيَ عَنْهُ؛ وَابْتَلَاهُ بِالْقَمَرِ، فَرَضِيَ عَنْهُ؛ وَابْتَلَاهُ بِالشَّمْسِ، فَرَضِيَ عَنْهُ؛ وَابْتَلَاهُ بِالنَّارِ، فَرَضِيَ عَنْهُ؛ وَابْتَلَاهُ بِالْهِجْرَةِ، وَابْتَلَاهُ بِالْخِتَانِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ‏:‏ إِي وَاللَّهِ، ابْتَلَاهُ بِأَمْرٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِ‏:‏ ابْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَأَحْسَنَ فِي ذَلِكَ، وَعَرَفَ أَنَّ رَبَّهُ دَائِمٌ لَا يَزُولُ، فَوَجَّهَ وَجْهَهُ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِالْهِجْرَةِ فَخَرَجَ مِنْ بِلَادِهِ وَقَوْمِهِ حَتَّى لَحِقَ بِالشَّامِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ؛ ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِالنَّارِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَابْتَلَاهُ اللَّهُ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَبِالْخِتَانِ، فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏ قَالَ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَبِالنَّارِ، وَبِالْكَوْكَبِ، وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏}‏ قَالَ، ابْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ، وَبِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَوَجَدَهُ صَابِرًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السَّدِّيِّ‏:‏ الْكَلِمَاتُ الَّتِي ابْتَلَى بِهِنَّ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 1129‏]‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ اخْتَبَرَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ بِكَلِمَاتٍ أَوْحَاهُنَّ إِلَيْهِ، وَأَمْرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ فَأَتَمَّهُنَّ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ ذِكْرِنَا قَوْلَهُ فِي تَأْوِيلِ ‏(‏الكَلِمَاتِ‏)‏، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ بَعْضَهُ‏.‏ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ كَانَ امْتُحِنَ فِيمَا بَلَغَنَا بِكُلِّ ذَلِكَ، فَعَمِلَ بِهِ، وَقَامَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيهِ‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ‏:‏ عَنَى اللَّهُ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ دُونَ شَيْءٍ، وَلَا عَنَى بِهِ كُلَّ ذَلِكَ، إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا‏:‏ مِنْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِجْمَاعٍ مِنَ الْحُجَّةِ‏.‏ وَلَمْ يَصِحْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ الرَّسُولِ بِنَقْلِ الْوَاحِدِ، وَلَا بِنَقْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لِمَا نَقَلَتْهُ‏.‏ غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَظِيرِ مَعْنَى ذَلِكَ خَبَرَانِ، لَوْ ثَبَتَا، أَوْ أَحَدُهُمَا، كَانَ الْقَوْلُ بِهِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ‏.‏ أَحَدُهُمَا، مَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ أَلَا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ‏:‏ ‏(‏الَّذِي وَفَّى‏)‏‏؟‏ ‏[‏سُورَةُ النَّجْمِ‏:‏ 37‏]‏ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَكُلَّمَا أَمْسَى‏:‏ ‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الرُّومِ‏:‏ 17‏]‏ حَتَّى يَخْتِمَ الْآيَةَ‏.‏

وَالْآخَرُ مِنْهُمَا مَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ‏"‏ قَالَ، أَتَدْرُونَ مَا ‏"‏ وَفَّى ‏"‏‏؟‏ قَالُوا‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ‏:‏ وَفَّى عَمَلَ يَوْمِهِ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي النَّهَار‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَلَوْ كَانَ خَبَرُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ صَحِيحًا سَنَدُهُ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمُ فَقَامَ بِهِنَّ، هُوَ قَوْلُهُ كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى‏:‏ ‏{‏فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ‏}‏- أَوْ كَانَ خَبَرُ أَبِي أُمَامَةَ عُدُولًا نَقَلَتُهُ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أُوحِينَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَابْتُلِيَ بِالْعَمَلِ بِهِنَّ‏:‏ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ‏.‏ غَيْرَ أَنَّهُمَا خَبَرَانِ فِي أَسَانِيدِهِمَا نَظَرٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى ‏"‏ الكَلِمَاتِ ‏"‏ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ ابْتَلى بِهِنَّ إِبْرَاهِيمَ، مَا بَيَّنَّا آنِفًا‏.‏

وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي ذَلِكَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُمْ، كَانَ مَذْهَبًا‏.‏ لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏}‏، وَقَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ‏}‏ وَسَائِرَ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ نَظِيرُ ذَلِكَ، كَالْبَيَانِ عَنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ ابْتَلى بِهِنَّ إِبْرَاهِيمَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَتَمَّهُنَّ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، فَأَتَمَّ إِبْرَاهِيمُ الْكَلِمَاتِ‏.‏ و‏(‏إِتْمَامُهُ إِيَّاهُنَّ‏)‏، إِكْمَالُهُ إِيَّاهُنَّ، بِالْقِيَامِ لِلَّهِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ، وَهُوَ الْوَفَاءُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّجْمِ‏:‏ 37‏]‏، يَعْنِي وَفَّى بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ، ‏(‏بِالْكَلِمَاتِ‏)‏، بِمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَمِحْنَتِهِ فِيهَا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، أَيْ فَأَدَّاهُنَّ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، أَيْ عَمِلَ بِهِنَّ فَأَتَمَّهُنَّ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏(‏فَأَتَمَّهُنَّ‏)‏، أَيْ عَمِلَ بِهِنَّ فَأَتَمَّهُنَّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنِّي مُصَيِّرُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، يُؤْتَمُّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ، كَمَا‏:‏ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏(‏أَمَمْتُ الْقَوْمَ فَأَنَا أَؤُمُّهُمْ أَمَّا وَإِمَامَةً‏)‏، إِذَا كُنْتُ إِمَامَهُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا أَرَادَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏، إِنِّي مُصَيِّرُكَ تَؤُمُّ مَنْ بَعْدَكَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِي وَبِرُسُلِي، تَتَقَدَّمُهُمْ أَنْتَ، وَيَتَّبِعُونَ هَدْيَكَ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِكَ الَّتِي تَعْمَلُ بِهَا، بِأَمْرِي إِيَّاكَ وَوَحْيِي إِلَيْكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ‏:‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ- لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ مَنـْزِلَتَهُ وَكَرَّمَهُ، فَأَعْلَمَهُ مَا هُوَ صَانِعٌ بِهِ، مِنْ تَصْيِيرِهِ إِمَامًا فِي الْخَيْرَاتِ لِمَنْ فِي عَصْرِهِ، وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَسَائِرِ النَّاسِ غَيْرِهُمْ، يُهْتَدَى بِهَدْيهِ وَيُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ-‏:‏ يَا رَبِّ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فَاجْعَلْ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ، كَالَّذِي جَعَلَتْنِي إِمَامًا يُؤْتَمُّ بِي وَيُقْتَدَى بِي‏.‏ مَسْأَلَةٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ سَأَلَهُ إِيَّاهَا، كَمَا‏:‏-

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ قَالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ ‏(‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ‏.‏

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏(‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏)‏، مَسْأَلَةٌ مِنْهُ رَبَّهُ لِعَقِبِهِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى عَهْدِهِ وَدِينِهِ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ 35‏]‏، فَأَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ فِي عَقِبِهِ الظَّالِمَ الْمُخَالِفَ لَهُ فِي دِينِهِ، بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏)‏‏.‏

وَالظَّاهِرُ مِنَ التَّنْـزِيلِ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ‏.‏ لِأَنَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ‏:‏ ‏(‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏)‏، فِي إِثْرِ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏(‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا‏)‏‏.‏ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ لِذُرِّيَّتِهِ، لَوْ كَانَ غَيْرَ الَّذِي أَخْبَرَ رَبُّهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، لَكَانَ مُبَيَّنًا‏.‏ وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمَّا كَانَتْ مِمَّا جَرَى ذِكْرُهُ، اكْتَفَى بِالذِّكْرِ الَّذِي قَدْ مَضَى، مِنْ تَكْرِيرِهِ وَإِعَادَتِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فَاجْعَلْ مِثْلَ الَّذِي جَعَلْتَنِي بِهِ، مِنَ الْإِمَامَةِ لِلنَّاسِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَنَّالظَّالِمَ لَا يَكُونُ إِمَامًا يَقْتَدِي بِهِ أَهْلُ الْخَيْرِ‏.‏ وَهُوَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَوَابٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ فِي مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً مِثْلَهُ‏.‏ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ، إِلَّا بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُصَيِّرِهِ كَذَلِكَ، وَلَا جَاعِلِهِ فِي مَحَلِّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ، بِالتَّكْرِمَةِ بِالْإِمَامَةِ‏.‏ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ إِنَّمَا هِيَ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، دُونَ أَعْدَائِهِ وَالْكَافِرِينَ بِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْعَهْدِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الظَّالِمِينَ أَنْ يَنَالُوهُ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ ‏"‏ العَهْدُ‏)‏، هُوَ النُّبُوَّةُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السَّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ عَهْدِي، نُبُوَّتِي‏.‏

فَمَعْنَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ‏:‏ لَا يَنَالُ النُّبُوَّةَ أَهْلُ الظُّلْمِ وَالشِّرْكِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏ العَهْدِ ‏"‏‏:‏ عَهْدُ الْإِمَامَةِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ‏:‏ لَا أَجْعَلُ مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِأَسْرِهِمْ ظَالِمًا، إِمَامًا لِعِبَادِي يُقْتَدَى بِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏ قَالَ، لَا يَكُونُ إِمَامٌ ظَالِمًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏ قَالَ، لَا يَكُونُ إِمَامٌ ظَالِمًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏)‏ قَالَ، لَا يَكُونُ إِمَامٌ ظَالِمٌ يُقْتَدَى بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُشَرَّفُ بْنُ أَبَانَ الْحَطَّابُ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏)‏ قَالَ، لَا أَجْعَلُ إِمَامًا ظَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الْزَّنْجِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏)‏ قَالَ، لَا أَجْعَلُ إِمَامًا ظَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏)‏‏:‏ قَالَ‏:‏ لَا يَكُونُ إِمَامًا ظَالِمٌ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَأَمَّا عَطَاءٌ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي‏}‏، فَأَبَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ظَالِمًا إِمَامًا‏.‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ مَا عَهْدُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَمْرُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ لَا عَهْدَ عَلَيْكَ لِظَالِمٍ أَنْ تُطِيعَهُ فِي ظُلْمِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ لَا عَهْدَ لِظَالِمٍ عَلَيْكَ فِي ظُلْمِهِ، أَنْ تُطِيعَهُ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عبدِ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏ قَالَ، لَيْسَ لِلظَّالِمِينَ عَهْدٌ، وَإِنْ عَاهَدْتَهُ فَانْقُضْهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هَارُونََ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، لَيْسَ لِظَالِمٍ عَهْدٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏ العَهْدِ ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ الْأَمَانُ‏.‏

فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لَا يَنَالُ أَمَانِي أَعْدَائِي، وَأَهْلُ الظُّلْمِ لِعِبَادِي‏.‏ أَيْ‏:‏ لَا أُؤَمِّنُهُمْ مِنْ عَذَابِي فِي الْآخِرَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏، ذَلِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَنَالُ عَهْدَهُ ظَالِمٌ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَقَدْ نَالُوا عَهْدَ اللَّهِ، فَوَارَثُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَغَازَوْهُمْ وَنَاكَحُوهُمْ بِهِ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَصَرَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَكَرَامَتَهُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏ قَالَ، لَا يَنَالُ عَهْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ الظَّالِمُونَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِمُ، وَأَكَلَ بِهِ وَعَاشَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏"‏ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ‏"‏ قَالَ، لَا يَنَالُ عَهْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ الظَّالِمُونَ‏.‏ فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِمُ فَأَمِنَ بِهِ، وَأَكَلَ وَأَبْصَرَ وَعَاشَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ‏"‏ العَهْدُ ‏"‏ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ دِينُ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏)‏ فَقَالَ‏:‏ فَعَهْدُ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ، دِينُهُ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لَا يَنَالُ دِينُهُ الظَّالِمِينَ‏.‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الصَّافَّاتِ‏:‏ 113‏]‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ كُلُّ ذُرِّيَّتِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْحَقِّ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏ قَالَ، لَا يَنَالُ عَهْدِي عَدُوٌّ لِي يَعْصِينِي، وَلَا أَنْحَلُهَا إِلَّا وَلِيًّا لِي يُطِيعُنِي‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا الْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ ظَاهِرَ خَبَرٍ عَنْ أَنَّهُ لَا يَنَالُ مَنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، عَهْدُ اللَّهِ- الَّذِي هُوَ النُّبُوَّةُ وَالْإِمَامَةُ لِأَهْلِ الْخَيْرِ، بِمَعْنَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَهْدُ الَّذِي بِالْوَفَاءِ بِهِ يَنْجُو فِي الْآخِرَةِ، مَنْ وَفَّى لِلَّهِ بِهِ فِي الدُّنْيَا- مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ظَالِمًا مُتَعَدِّيًا جَائِرًا عَنْ قَصْدِ سَبِيلِ الْحَقِّ‏.‏ فَهُوَ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذَكَرَهُ لِإِبْرَاهِيمَ‏:‏ أَنَّ مِنْ وَلَدِهُ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ، وَيَجُورُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَيَظْلِمُ نَفْسَهُ وَعِبَادَهُ، كَالَّذِي‏:‏ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي ذُرِّيَّتِكَ ظَالِمُونَ

وَأَمَّا نَصْبُ ‏"‏ الظَّالِمِينَ‏)‏، فَلِأَنَّ الْعَهْدَ هُوَ الَّذِي لَا يَنَالُ الظَّالِمِينَ‏.‏

وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏(‏لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمُونَ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ أَنَّ الظَّالِمِينَ هُمُ الَّذِينَ لَا يَنَالُونَ عَهْدَ اللَّهِ‏.‏

وَإِنَّمَا جَازُ الرَّفْعُ فِي ‏"‏ الظَّالِمِينَ ‏"‏ وَالنَّصْبُ، وَكَذَلِكَ فِي ‏"‏ العَهْدِ‏)‏، لِأَنَّ كُلَّ مَا نَالَ الْمَرْءَ فَقَدْ نَالَهُ الْمَرْءُ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏نَالَنِي خَيْرُ فَلَانٍ، وَنِلْتُ خَيْرَهُ‏)‏، فَيُوَجِّهُ الْفِعْلَ مَرَّةً إِلَى الْخَيْرِ وَمَرَّةً إِلَى نَفْسِهِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ‏"‏ الظُّلْمِ ‏"‏ فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً‏)‏، فَإِنَّهُ عَطَفَ بـِ ‏"‏ إِذْ ‏"‏ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ‏)‏‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ‏)‏ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ‏}‏، وَاذْكُرُوا ‏{‏إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ‏}‏، ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً‏}‏‏.‏

و ‏"‏ الْبَيْت ‏"‏ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَثَابَةً لِلنَّاسِ، هُوَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ‏.‏

وَأَمَّا ‏(‏الْمَثَابَةُ‏)‏، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَاهَا، وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنِّثَتْ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ‏:‏ أُلْحِقَتِ الْهَاءُ فِي ‏(‏المَثَابَةِ‏)‏، لَمَّا كَثُرَ مَنْ يَثُوبُ إِلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏(‏سَيَّارَةٌ‏)‏ لِمَنْ يَكْثُرُ ذَلِكَ، ‏"‏ وَنَسَّابَةٌ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ بَلْ ‏"‏ المَثَابُ ‏"‏ و ‏"‏ الْمَثَابَةُ ‏"‏ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، نَظِيرَهُ ‏"‏ المَقَامُ ‏"‏ و ‏"‏ الْمَقَامَةُ ‏"‏‏.‏ و‏(‏الْمَقَامُ‏)‏، ذُكِرَ- عَلَى قَوْلِهِ- لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُقَامُ فِيهِ، وَأُنِّثَتِ ‏(‏المَقَامَةُ‏)‏، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْبُقْعَةُ‏.‏ وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ ‏"‏ المَثَابَةُ ‏"‏ كـَ ‏"‏ السَّيَّارَةِ، وَالنَّسَّابَةِ ‏"‏‏.‏، وَقَالُوا‏:‏ إِنَّمَا أُدْخِلْتِ الْهَاءُ فِي ‏"‏ السَّيَّارَةِ وَالنَّسَّابَةِ ‏"‏ تَشْبِيهًا لَهَا بـِ ‏"‏ الدَّاعِيَةِ ‏"‏‏.‏

و ‏"‏ الْمَثَابَةُ ‏"‏ ‏"‏ مَفْعَلَةٌ ‏"‏ مَنْ ‏"‏ ثَابَ الْقَوْمُ إِلَى الْمَوْضِعِ‏)‏، إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِ، فَهُمْ يَثُوبُونَ إِلَيْهِ مَثَابًا وَمَثَابَةً وَثَوَابًا‏.‏

فَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏)‏‏:‏ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَرْجِعَا لِلنَّاسِ وَمَعَاذًا، يَأْتُونَهُ كُلَّ عَامٍ وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا‏.‏ وَمِنَ ‏(‏المَثَابِ‏)‏، قَوْلُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فِي صِفَةِ الْحَرَمِ‏:‏

مَثـابٌ لِأَفْنـاءِ الْقَبـائِلِ كُلِّهـا *** تَخـبُّ إِلَيـهِ الْيَعْمـَلَاتُ الطَّلَائـِحُ

وَمِنْهُ قِيلَ‏:‏ ‏(‏ثَابَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ‏)‏، إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ عُزُوبِهِ عَنْهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا ‏[‏أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا‏]‏ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏)‏ قَالَ‏:‏ لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، يَثُوبُونَ إِلَيْهِ، لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السَّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، أَمَّا الْمَثَابَةُ، فَهُوَ الَّذِي يَثُوبُونَ إِلَيْهِ كُلِّ سَنَةٍ، لَا يَدَعُهُ الْإِنْسَانُ إِذَا أَتَاهُ مَرَّةً أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا، يَأْتُونَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ قَالَ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ مُنْصَرِفٌ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى مِنْهُ وَطَرًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، يَثُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عبدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ‏:‏ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ قَالَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، يَحُجُّونَ وَيَثُوبُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏)‏ قَالَ، يَحُجُّونَ، ثُمَّ يَحُجُّونَ، وَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ غَالِبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏(‏مَثَابَة لِلنَّاسِ‏)‏ قَالَ، يَثُوبُونَ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا‏}‏ قَالَ، مَجْمَعًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏(‏مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏)‏ قَالَ، يَثُوبُونَ إِلَيْهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏(‏مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏)‏ قَالَ، يَثُوبُونَ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ‏}‏ قَالَ، يَثُوبُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْبُلْدَانِ كُلِّهَا وَيَأْتُونَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَمْنًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ و ‏"‏ الْأَمْنُ ‏"‏ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ ‏(‏أَمِنَ يَامَنُ أَمْنًا‏)‏‏.‏

وَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ ‏(‏أَمْنًا‏)‏، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعَاذًا لِمَنِسْتَعَاذَ بِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَوْ لَقِيَ بِهِ قَاتِلَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ، لَمْ يَهْجُهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏}‏‏.‏ ‏[‏سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ‏:‏ 67‏]‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَأَمْنًا‏)‏ قَالَ، مِنْ أَمَّ إِلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ، كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى قَاتِلَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَلَا يَعْرِضُ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السَّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا ‏(‏أمْنًا‏)‏، فَمِنْ دَخْلِهِ كَانَ آمِنًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏وَأَمْنًا‏)‏ قَالَ، تَحْرِيمُهُ، لَا يَخَافُ فِيهِ مَنْ دَخَلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَأَمْنًا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ أَمْنًا مِنَ الْعَدُوِِّ أَنْ يَحْمِلَ فِيهِ السِّلَاحَ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وَهُمْ آمِنُونَ لَا يُسْبَوْنَ‏.‏

حَدَّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ، أَخْبَرَنَا بِشْرٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَأَمْنًا‏)‏ قَالَ، أَمْنًا لِلنَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَأَمْنًا‏)‏ قَالَ، تَحْرِيمُهُ، لَا يَخَافُ فِيهِ مَنْ دَخَلَهُ‏.‏